الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ البيمارستانات في الإسلام
.تدريس الطب بالبيمارستان وفي مدارس خاصة: ذكرنا أن طلبة الطب كانوا يتلقون علومهم على أساتذتهم في البيمارستانات إذ كانت تهيأ لهم الإيوانات الخاصة المعدة والمجهزة بالآلات والكتب أحسن تجهيز، فيقعدون بين يدي معلمهم بعد أن يتفقدوا المرضى وينتهوا من علاجهم، كما كان يفعل أبو المجد ابن أبي الحكم في البيمارستان النوري الكبير. وإن بعضا من مشايخ الطب وكبار رؤسائهم كان يجعل له مجلسا عاما لتدريس صناعة الطب للمشتغلين عليه في منزله أو في المدارس الخاصة.وذكر ابن أبي أصيبعة أن الفيلسوف الإمام العالم أبا الفرج بن الطيب كان يقرئ صناعة الطب في البيمارستان العضدي ويعالج المرضى فيه، وأن إبراهيم بن بكس كان يدرس صناعة الطب في البيمارستان العضدي لما بناه عضد الدولة وكان له منه ما يقوم بكفايته، وأن زاهد العلماء ألف كتابه في الفصول والمسائل والجوابات التي أجاب عنها في مجلس العلم المقرر في البيمارستان الفارقي.وكان في بيمارستان أحمد بن طولون خزانة كتب كانت في أحد مجالس البيمارستان، وكان فيها ما يزيد على مائة ألف مجلد في سائر العلوم. وفي سنة 622هـ 1225م أوقف مهذب الدين عبد الرحيم بن علي بن حامد المعروف بالدخوار شيخ الأطباء ورئيسهم داره بدمشق المدرسة الدخوارية شرقي سوق المناخليين عند الصاغة العتيقة قبلي الجامع الأموي، ووقف لها ضياعا وعدة أماكن يستغل منها ويتصرف في مصالحها وفي جامكية المدرسين وجامكية المشتغلين بها. فكان إذا فرغ من البيمارستان وافتقد المرضى من أعيان الدولة وأكابرها وغيرهم، يأتي إلى داره ثم يشرع في القراءة والدرس والمطالعة، ولا بد له مع ذلك من نسخ، فإذا فرغ من أيضا أذن للجماعة فيدخلون عليه ويأتي قوم بعد قوم من الأطباء والمشتغلين وكان يقرئ كل واحد منهم درسه ويبحث معه فيه، ويفهمه إياه بقدر طاقته. ويبحث في ذلك مع المتميزين منهم إن كان الموضع يحتاج إلى فضل بحث أو فيه إشكال يحتاج إلى تحرير. وكان إلى جانبه ما يحتاج إليه من الكتب الطبية ومن كتب اللغة: كتاب الصحاح للجوهري والمجمل لابن فارس وكتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري فكان إذا جاءت في الدرس كلمة لغة يحتاج إلى كشفها وتحقيقها نظرها في تلك الكتب.ثم مرض مهذب الدين عبد الرحيم بن علي وتوفي في يوم الاثنين الخامس عشر من شهر صفر سنة 628هـ 24 ديسمبر سنة 1230م ووصى أن يكون المدرس فيها الحكيم شرف الدين على بن الرحبي..افتتاح المدرسة الدخوارية: لما كان في يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الآخر سنة 628هـ 18 فبراير سنة 1230م حضر الحكيم سعد الدين إبراهيم بن الحكيم موفق الدين عبد العزيز والقاضي شمس الدين الخواتيمي والقاضي جمال الدين الخرستاني والقاضي عز الدين السنجاري وجماعة من الفقهاء والحكماء، وشرع الحكيم شرف الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن حيدرة الرَّحبي في التدريس بها في صناعة الطب، واستمر على ذلك وبقي سنين عدة ثم صار المدرس فيما بعد الحكيم بدر الدين المظفر بن قاضي بعلبك، وذلك أنه لما ملك دمشق الملك الجواد مظفر الدين يونس بن شمس الدين ممدود ابن الملك العادل، كتب للحكيم بدر الدين ابن قاضي بعلبك، منشورا برياستخ على سائر الحكماء في صناعة الطب، وأن يكون مدرسا للطب في مدرسة الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي المعروف بادخوار. وتولى ذلك في يوم الأربعاء رابع صفر سنة 677هـ ثم درس بعده عماد الدين الدنيسري ومحمد بن عبد الرحيم بن مسلمة كمال الدين الطبيب المتوفى سنة 697هـ 1297م، والجمال المحقق أحمد بن عبد الله بن الحسين الأشقر وقد ولي مشيخة الدخوارية وتوفي سنة 694هـ 1294م وأمين الدين سليمان بن داود الدمشقي توفي سنة 732هـ ثم شهاب الدين الكحال توفي سنة 732هـ..إجازة الطب: كان الأطباء في أول عهد الدول الإسلامية تكتفي لمعاناة التطبيب بقراءة الطب على أي طبيب من النابهين في عصره، حتى إذا آنس من نفسه القدرة على مزاولة الصنعة، باشرها بدون قيد أو شرط.وإن أول من نظم صناعة التطبيب وقيدها بنظام خاص حرصا على مصلحة الجمهور، هو الخليفة العباسي المقتدر بالله جعفر بن المعتضد الذي تولى الخلافة سنة 295هـ، ففرض على من يريد معاناة التطبيب تأدية امتحان للحصول على إجازة تحوله هذا الحق بين الناس.والسبب الذي دعا الخليفة المقتدر إلى هذا التقييد، هو ما نرويه عن لسان سنان بن ثابت رئيس الأطباء في عصره وطبيب الخليفة ومن النابهين بين الأطباء:قال سنان بن ثابت: لما كان في عام 319هـ 931م، اتصل بالمقتدر أن غلطا جرى على رجل من العامة من بعض المتطببين فمات الرجل، فأمر الخليفة أبا إبراهيم بن محمد بن أبي بطيحة المحتسب بمنع سائر المتطببين من التصرف، إلا من امتحنه سنان بن ثابت بن قرّضة، وكتب له رقعة بخطه بما يطلق له التصرف فيه من الصناعة. فصاروا إلى سنان وامتحنهم وأطلق لكل واحد منهم ما يصلح أن يتصرف فيه. وبلغ عددهم في جانبي بغداد ثمانمائة رجل ونيف وستين رجلا، سوى من استغنى عن محنته باشتهاره بالتقدم في صناعته وسوى من كان في خدمة السلطان. وصار النظام بعد ذلك: متى أتم الطالب دروسه يتقدم إلى رئيس الأطباء في القطر المصري، ووظيفته هي أكبر وظائف الأطباء، ويطلب إليه إجازته لمعاناة صنعه التطبيب. وكان الطالب يتقدم إليه برسالة في الفن الذي يريد الحصول على الإجازة في معاناة وهذه الرسالة أشبه بما يسمى اليوم أطروحة تيز وتكون هذه الرسالة له أو لأحد مشاهير الأطباء المتقدمين أو المعاصرين يكون قد أجاد دراستها فيمتحنه فيها ويسأله في كل ما يتعلق بما فيها من الفن فإذا أحسن الإجابة أجازه الممتحن بما يطلق له التصرف فيه من الصناعة.ومن محاسن الصدف أني عثرت في دشت قديم في خزانة كتب أستاذنا وصديقنا العلامة أحمد زكي باشا، على صورتين لإجازتين في الطب من القرن السادس عشر الميلادي، منحت إحداهما لفصَّاد ومنحت الأخرى لجراح، أنقلهما هنا لكي يعلم الباحث ما كان عليه الحال في تلك العصور:.الإجازة الأولى: وهي من القرن الحادي عشر الهجري.وهذه صورة ما كتبه الشيخ الأجل عمدة الأطباء ومنهاج الألباء الشيخ شهاب الدين ابن الصايغ الحنفي رئيس الأطباء بالديار المصرية إجازة للشاب المحصل محمد عزام، أحد تلامذة الشيخ الأجل والكهف الأحول الشيخ زين الدين عبد المعطي رئيس الجراحين على حفظه لرسالة الفصد كما سنبينه:الحمد لله ومنه أستمد العناية.الحمد لله الذي وفق من عباده من اختاره لخدمة الفقراء والصالحين وهدى من شاء للطريق القويم والنهج المستقيم على ممر الأوقات والأزمان إلى يوم الدين.وبعد فقد حضر عندي الشاب المحصل شمس الدين محمد بن عزام بن... بن... هنا كلمات مفقودة على المؤذن الجرواني المتشرف بخدمة الجراح والمتقيد بخدمة الشيخ الصالح بقية السلف الصالحين العارفين وشيخ طائفة الجراحين بالبيمارستان المنصوري هو الشيخ عبد المعطي المشهور بابن رسلان نفعنا الله ببركاته ورحم أسلافه العارفين الصالحين وعرض علي جميع الرسالة اللطيفة المشتملة على معرفة الفصد وأوقاته وكيفيته وشروطه وما يترتب عليه من المنافع المنسوبة والرسالة المذكورة للشيخ الإمام العلامة التمام شمس الدين محمد بن ساعد الأنصاري شكر الله سعيه ورحمه وأسكنه بحابيح جناته بمنه وكرمه، عرضا جيدا دل على حسن حفظه للرسالة المذكورة وقد أجزته أن يرويها عني بحق روايتها وغيرها من الكتب الطبية هذا آخر ما عثرت عليه وباقي الإجازة مفقود ضاع مع ما ضاع من نفائس الكتب العربية..الإجازة الثانية: وهي كذلك من القرن الحادي عشر الهجري، وصادرة من رئيس الجراحين بدار الشفا المنصوري قلاوون.صورة ما كتبه الفقير على ذلك:بسم الله الرحمن الرحيم من ممد الكون أستمد العون. الحمد لله الذي جعل لهذه الأمة بالطب المحمدي شفا، وداوى علل أفهامهم بصحيح حديثه بعد ما كانوا في سقم الباطل على شفا. أحمده حمدا يتقوى به الضعيف، وأشكره شكرا وافيا يكون لنا نعم العلاج عند الحكيم اللطيف. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي جعل الفصد والحجامة للأبدان من أنفع العلاج، إذ بهما... كلمة مفقودة قف الحرارة الردية والمزاج. ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي قطع الاشتراك، وعلى آله وأصحابه سادة النساك، الذين جمعوا بالعلم والفصاحة بين الحكمة وفصل الخطاب، وعالجوا زمان الجهل بحسن تدبيرهم فعوفي وحفظ لهم الصحة وطاب.وبعد فقد وقفت على هذه الرسالة العظيمة، والمقالة الكريمة، الموسومة ببرء الآلام في صناعة الفصد والحجام نظم لوذعي زمانه، وألمعي عصره وأوانه: الشمس شمس الدين محمد القيم شهرة، الجراح صنعه ومهره، التي أصلها للشيخ الفاضل حاوي الفضائل الشيخ شمس الدين محمد الشربيني الجراح. لا زالت شآبيب الرحمة والرضوان على قبره غادية رائحة، وشذا العبهري والريحان من مرقده فائحة، الموسومة بغاية المقاصد فيما يجب على المفصود والفاصد إذ هي في هذا الفن أسمى المقاصد. وقد قرأها عليه قراءة إتقان وإمعان، وحل لمشكلات الألفاظ والمعان، فلم ير بدا من أن يبسطها ليتيسر حفظ تلك الفوائد، ولتسهل ضبط تلك القواعد فجاءت بجملة أبهى من نور الأنحار، وأضوأ من نور الأسمار، كالتبر المنسبك أو القطر المنسكب. فقد أجاد ناظمها في تحقيقها، وبذل الجهد في تحريرها وتدقيقها. وأتقن ألفاظ مبانيها. وغاص بحار معانيها، وأستخرج الدر الثمين من أصلها، وجمع بين فصلها ووصلها، وصارت تجلى كالعروس لمعانيها. ولقد صارت في هذه الصناعة العمدة والكفاية وأعترف لها الكامل أنها المنهاج والهداية. ونسيت بها التذكرة، ولم يبق لهذا العلم تذكرة حميدة. وأحجم عندها كل مهذب بالمكنون، وصرح تأريخ الأطباء أنها نص ما في القانون. فلما ظهرت نتيجة الانتخاب في المسألة والجواب وتغذى ناظم سلكها بالخاص من اللباب، وصارت الخناصر عليها تعقد، وإن كان لساعد الأنصاري رسالة، فشتان رسالته ورسالة محمد. وكانت عين المقصود، ورقمت فيما يجب على القاصد والمقصود، أستحق راقم وشيها وناسج بردها أن يتوج بتاج الإجازة فاستخرت الله تعالى وأجزت له أن يتعاطى على صناعة الجراح، ما أتقن معرفته ليحصل له النجاح والفلاح. وهو أن يعالج الجراحات التي تبرأ بالبط، ويقلع من السنان ما ظهر له من غير شرط. وأن يقصد من الأوردة ويبتر الشرايين وأن يقلع من الأسنان الفاسدة المسوسين كذا وأن يلم ما بعد من تفرق الاتصال، بقطان وغير ذلك وطهارة الأطفال. هذا مع مراجعته وخدمته لرؤساء هذا الفن المتبحرين، والمهرة الأساتذة العارفين مع تقوى الله والنصح في الصناعة، ولا يخشى مع ذلك من كساد البضاعة. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياه لصالح الأعمال، في كل حال ومآل. اللهم إني أسألك من فضلك العظيم مغفرة لذنوبنا وعافية لأبداننا، لا إله غيرك، ولا مرجو إلا خيرك رب العالمين.رقمه بقلمه أحقر عباد الفتاح الفقير للحق علي بن محمد بن محمد بن علي الجراح خادم الفقراء الضعفاء بدار الشفا بمصر المحروسة ومصليا ومسلما ومحمدا ومحوقلا ومستغفرا بتاريخ صفر الخير من شهور سنة إحدى عشرة وألف 1602م من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام والحمد لله وحده..امتحان الصيادلة: وكذلك حدث في أيام الخليفة المعتصم بن الرشيد من 218 - 227هـ أنه بينما كان الأفشين حيدر بن كاوس أحد قواد جند المعتصم في معسكره وهو في محاربة بابك سنة 221هـ وكان معه زكريا الطيفوري الطبيب، أمره بإحضار جميع من في عسكره من التجار وحوانيتهم وصناعة كل رجل منهم. فرفع ذلك إليه فلما بلغت القراءة بالقارئ إلى موضع الصيادلة قال الأفشين لزكريا الطيفوري: يا زكريا ضبط هؤلاء الصيادلة عندي أولى مما تقدم فيه فامتحنهم حتى نعرف منهم الناصح من غيره. فقال زكريا: إن يوسف لقوة الكيميائي قال يوما للمأمون: إنما آفة الكيميا الصيادلة فإن الصيدلاني لا يطلب الإنسان منه شيئا من الأشياء كان عنده أم لم يكن، إلا أخبره بأنه عنده ودفع إليه شيئا من الأشياء التي عنده، وقال: هذا الذي طلبت. فإن رأى أمير المؤمنين أن يضع اسما لا يعرف ويوجه جماعة إلى الصيادلة في طلبه لتبتاعه فليفعل. فقال المأمون: قد وضعت الاسم وهو شقطيثا وهي ضيعة تقرب من مدينة السلام ووجه المأمون جماعة من الرسل يسألهم عن شقيثا فكلهم ذكر أنه عنده وأخذ الثمن من الرسل ودفع إليهم شيئا من حانوته، فصاروا إلى المأمون بأشياء مختلفة فمنهم من أتى ببعض البذور ومنهم من أتى بقطعة من حجر ومنهم من أتى بوبر فاستحسن المأمون نصح يوسف لقوة.فدعا الأفشين بدفتر الأسروشنية فأخرج منها نحوا من عشرين اسما ووجه إلى الصيادلة من يطلب منهم أدوية مسماة بتلك الأسماء، فبعضهم أنكرها وبعضهم ادعى معرفتها وأخذ الدراهم من الرسل ودفع إليهم شيئا من حانوته. فأمر الأفشين بإحضار جميع الصيادلة فلما حضروا كتب لمن أنكر معرفته تلك الأسماء منشورات أذن لهم فيها بالمقام في عسكره، ونفى الباقين عن العسكر، ولم يأذن لواحد منهم في المقام ونادى المنادي بنفيهم وبإباحة دم من وجد منهم في معسكره. وكتب إلى المعتصم يسأله البعثة إليه بصيادلة لهم أديان ومذهب جنيل ومتطببين كذلك فاستحسن المعتصم ذلك ووجه إليه بما سأل..الحِسْبَة: ذكرنا الحسبة لأنها في ذلك الزمن بمثابة التفتيش والرقابة في هذه الأيام على الأطباء والصيادلة.الحسبة: وظيفة جليلة رفيعة الشأن وموضوعها التحدث في الأمر والنهي والتحدث على المعايش والصنائع والأخذ على يد الخارج عن طريق الصلاح في معيشته وصناعته. قال الماوردي في الأحكام السلطانية: وهو مشتق من قولك حسبك بمعنى اكفف لأنه يكفي الناس مئونة من يبخسهم حقوقهم. قال النحاس: وحقيقة المحتسب في اللغة المجتهد في كفاية المسلمين ومنفعتهم، إذ حقيقة افتعل عند الخليل وسيبوية بمعنى اجتهد..الْمُحْتَسِب: هو من أرباب الوظائف الدينية الست المشهورة. وكان عندهم من وجوه العدول وأعيانهم. وكان من شأنه أنه إذا خلع عليه قرئ سجله بمصر والقاهرة على المنبر. ويده مطلقة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على قاعدة الحسبة، ولا يحال بينه وبين مصلحة أرادها ويتقدم إلى الولاة بالشدّ منه، ويقيم النواب عنه بالقاهرة ومصر وجميع الأعمال كنواب الحكم. ويجلس بجامعي القاهرة ومصر يوما بيوم، قال: ورأيت في بعض سجلاتهم إضافة الحسبة بمصر والقاهرة إلى صاحبي الشرطة بهما أحيانا..في الحسبة على الأطباء والكحالين والجراحين والمجبرين: جاء في كتاب نهاية الرتبة في طلب الحسبة خاصا بالأطباء وصناعتهم قال: وينبغي للمحتسب أن يأخذ عليهم عهد أبقراط الذي أخذه على سائر الأطباء، ويحلفهم أن لا يعطوا أحدا دواء مرا، ولا يركبوا له سما، ويصنعوا السمائم عند أحد من العامة، ولا يذكروا للنساء الدواء الذي يسقط الأجنة، ولا للرجال الدواء الذي يقطع النسل، وليغضوا من أبصارهم عن المحارم عند دخولهم على المرضى، ولا يفشوا الأسرار ولا يهتكوا الأستار، وينبغي للطبيب أن يكون عنده جميع آلات الطب على الكمال مما يحتاج إليه في صناعة الطب، غير آلة الكحالين والجراحيين مما يأتي ذكره في موضعه، وللمحتسب أن يمتحن الأطباء بما ذكره حنين في كتابه المعروف بمنحة الطبيب فأما محنة الأطباء لجالينوس فلا يكاد واحد يقوم بما شرط عليهم.وأما الكحالون فيمتحنهم المحتسب بكتاب حنين بن إسحاق، أعني العشر المقالات في العين، فمن وجده فيما امتحنه به عارفا بتشريح العين وعدد طبقاتها السبع، وعدد رطوباتها الثلاث، وعدد أمراضها الثلاثة، وما يتفرع من ذلك من الأمراض، وكان خبيرا بتركيب الأكحال وأمزجة العقاقير أذن له المحتسب بالتصدي لمداواة أعين الناس، وألا ينبغي أن يفرط في شيء من آلات صنعته مثل سنانير السبل والظفرة ومحك الجرب ومباضع الفصد ودرج المكاحل وغير ذلك.وأما كحالو الطرقات فلا يوثق بأكثرهم، إذ لا دين لهم يصدهم عن التهجم على أعين الناس بالقطع والكحل بغير علم وخبرة بالأمراض والعلل الحادثة، فلا ينبغي لأحد أن يركن إليهم في معالجة عينه ولا يثق بأكحالهم وشيافاتهم، فإن منهم من يضع أشيافا أصلها من النشا والصمغ وبصبغها ألوانا مختلفة فيصبغ الأحمر بالأسريقون، والأخضر بالكركم، والنيل والأسود بالقاقيا، والأصفر بالزعفران، ومنهم من يجعل أشياف ماميتا أو يجعل أصله من ألبان المصري ويعجنه بالصمغ المحلول ومنهم من يعمل كحلا من نوى الإهليلج المحرق والفلفل وجميع غشوش أكحالهم لا يمكن حصر معرفتها، فيحلفهم المحتسب على ذلك إذ لا يمكن منعهم من الجلوس لمعالجة الناس.وأما المجبرون فلا يحل لأحد أن يتصدى للجبر إلا بعد أن يحكم معرفة المقالة السادسة من كناش فولوس في الجبر وهو ترجمة حنين بن إسحاق وأن يعلم عدد عظام الآدمي وهو مائتا عظم وثمانية وأربعون عظما، وصورة كل عظم فيها وشكله وقدره حتى إذا انكسر منها شيء أو انخلع رده إلى موضعه على هيئته التي كان عليها فيمتحنهم المحتسب في جميع ذلك.وأما الجراحيون فيجب عليهم معرفة كتاب جالينوس المعروف بقطا جانوس في الجراحات والمراهم، وأن يعرفوا التشريح وأعضاء الإنسان، وما فيه من العضل والعروق والشرايين والأعصاب، ليتجنب ذلك في وقت فتح المواد وقطع البواسير، ويكون معه دست المباضع فيه مباضع مدورات الرأس والموربات وفأس الجبهة ومنشار القطع ومجرفة الأذن وورد السلع ومرهمدان المراهم، ودواء الكندر القاطع للدم الذي قدمنا صنعته. وقد يبهرجون على الناس بعظام تكون معهم فيدسونها في الجرح ثم يخرجونها منه بمحضر من الناس ويزعمون أن أدويتهم القاطعة أخرجتها. ومنهم من يضع مراهم من الكلس المغسول بالزيت ثم يصبغ لونه أحمر بالمغرة أو أخضر بالكركم والنيل أو أسود بالفحم المسحوق. فيعتبر عليهم العريف جميع ذلك. |